جميعنا
يتعرض لمشاكل ،وتحديات يومية ، وليس ذلك بجديد ، أو مهماً ، ولكن الجديد والمهم هو
نظرتك تجاه ما تتعرض له من مواقف ، وإستجابتك لهذه المشاكل ، والتحديات ، فعندما
يتعرض الشخص المبدع الى مشكلة ما ، أو تحدى يحاول أن ينظر اليها بشكل مختلف حتى
يحصل على نتيجة محتلفة ، يقول إى ، إم ، جراى " الشخص المبدع لديه عادة
القيام بالأمور التى لا يحب الآخـرون القيام بهـا ، بالرغـم من كراهيته لها ، غير
أن كراهيته تنزوى خلـف قـوة أهدافـه " .
اتذكرمـع بداية ظهـور النفط فـى دول
الخليج ، إنطلق الشباب للعمل فى الشركات الأجنبية القادمة للتنقيب والبحث عن النفط
، وكان هناك ولد لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره ، كان بحاجة الى العمل نظراً لوفاة
والده ، وكونه أكبر إخوانه ، والعائل الوحيد للأسرة ، فقرر الإلتحاق بإحدى هـذه
الشركات فــى مهنة عامل ، وفـى يوم مـن ايام الصيف الحارة ، وخاصة حرارة الصحراء
شعرالولد الصغيرــ إن جاز لنا التعبير ــ بالعطش الشديد ، فأخذ ينظر مـن حوله حتى
وجد برميلاً به ماء ، فإنطلق نحوه مسرعاً لكـى يشرب ، وعندما أمسك بالكوب سمع صوتـاً
يتكلم بلغة عـربية غير سليمة ، لا تشرب من هنا ، إنه خاص بالمهندسين فقط ، إنصرف
الآن .
قبل
أن تكمل القراءة أريد منك الإجابة على السؤال التالى :
ماذا
تفعل لو كنت مكان هذا الولد وفى نفس موقفه ؟
أسمعك
تقول سوف أغضب ، حسناً وماذا بعد الغضب
؟ ما هو التصرف الصحيح فى هذا الموقف ؟
وما هى الإستجابة المناسبة ؟
إنتبه : قد أثبتت التجارب ، والأبحاث
أنك غير مسئول عن معظم الأحداث التى تحدث لك طوال اليوم ، ولكنك مسئول مسئولية تامة
عن ردود أفعالك وإستجابتك تجاه هذه الأحداث .
نعود
مرة أخرى لصديقنا العامل لنعرف كيف تصرف ؟ بالفعل لقد غضب مـن هـذا الموقف حتى أنه
عاد لأسرته وحكى لوالدته ما حدث معه بالضبط ، فحزنت الأم على ابنها ، ولكنها لا
تملك من الأمر شىء سوى أن تهون عليه بكلمات الأم الحنون ، ولكن الموقف جعل الولد
يملك إصرار غريبا على مواجهة التحدى ، وعلى النجاح مهما كان الثمن ، فقد نظر الى
الموقف على أنه تحدى ، أو حاله من حالات إثبات الذات ، وإجبار الحياة على الإعتراف
به ، فقرر أن يبذل جهداً مضاعفاً فى دراسته حتى حصل علـى الثانوية بمجموع درجات يؤهله للإلتحاق
بكلية الهندسة ، ثم أنهى دراسته الجامعية فى كلية الهندسة بتقدير ممتاز مما شجع
الجامعة على أن ترسله بعثة الى انجلترا للحصول على درجة الماجستير
بعد
عودته من البعثة اصبح رئيساً لشركة ارآمكو ، التى كان بها عاملاً فى يوم من الأيام
، وتشاء الأقدار ذات مرة وهو جالس فى مكتبه يستأذن أحدهم فى الدخول عليه ، وعندما
يؤذن له يجده المهندس الذى حرمه الماء صغيراً ، جاء الآن ليقدم له طلباً للإجازة
حتى يـزور ابنائه ، ثم يعود مرة أخرى ، فبادره صديقنا العامل قائلا : هل تتذكرنى ؟
فأجاب المهندس بالنفى ، فحكى له العامل ما
حدث منه قديماً ، فإعتذر المهندس على الفور ، فقال له : لا تعتذر ، وإنما يجب على
أن اشكرك ، فلولا ما حدث ما كنت انا هنا الآن ، فأنت من خلق التحدى بداخلى ، وكلما
وهنت عزيمتى اتذكر ذلك الموقف فأنشط من جديد ، وأجد بداخلى طاقة لا اعرف لها
مصدراً غير هذا الموقف ، ثم وقع له طلب الإجازة ، ومنحه مكافأة من ماله الخاص ،
ولم يتوقف الأمر بصديقنا العامل عند رئاسة الشركة ، بل اصبح فى عام 1995 م ، وزيراً
للنفط السعودى ، ثم وزيراً للصحة ، بقى شىء أخير يجب أن تعرفه ، وهو أن بطل هذه
القصة الحقيقية هو #الدكتور_على_النعيمى وزير النفط السعودى .
أعتقد أن هـذه القصة تعطيك شيئاً واضحاً عن
طريقة تفكير المبدعين ، وعن نظرتهم للمواقف العادية ، وكيف يوظفونها لصالحهم ، لقد
إستطاع الولد الصغير جعل الموقف وقوداً له يعود اليه كلما نضبت عنده الطاقة ، أو
كلما شعر أنه بحاجه الى تحفيز ، لم يهرب الى النوم ، أو تعاطى المخدرات ، أو يسير
فى طريق الإنحراف ، وفى هذا الصدد تقول فرجينيا ساتير " الحياة ليست كما
يفترض أن تكون ، إنها كما هى عليه ، ولكن ما يصنع الفارق هو الطريقة التى ننظر بها
للحياة " ، عندما نغير نظرتنا للموقف يتغير الموقف ، وتتغير معه النتائج كلها
.
دمت مبدعاً،،،دمت قادراً على التحدى